التنمية دائما DimaTanmia
مرحبا بك هذا المنتدى مختص في قضايا التنمية وما يرتبط بها
لايمكنك التحميل حتى تسجل اسم الدخول
يمكنك طلب اي موضوع سوف نرسله لك
مجموعة التنمية دائما

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

التنمية دائما DimaTanmia
مرحبا بك هذا المنتدى مختص في قضايا التنمية وما يرتبط بها
لايمكنك التحميل حتى تسجل اسم الدخول
يمكنك طلب اي موضوع سوف نرسله لك
مجموعة التنمية دائما
التنمية دائما DimaTanmia
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مجموعة منتديات التنمية دائما
http://associations.alafdal.net/ http://developpement.ibda3.org https://www.facebook.com/dimatanmia.dt
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

مجموعة منتديات التنمية دائما
http://associations.alafdal.net/ http://developpement.ibda3.org https://www.facebook.com/dimatanmia.dt

دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي (2)

اذهب الى الأسفل

دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي (2) Empty دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي (2)

مُساهمة من طرف Admin الخميس 26 يناير 2012 - 12:28

دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي

الجزء الثاني

العالم الإسلامي وتطلعات المستقبل، التنمية المستدامة

أمام هذه التحديات الكبرى التي يواجهها أو سيواجهها العالم الإسلامي في مجال التوفيق بين البيئة والتنمية، من المرغوب فيه أن ينخرط هذا الأخير في التيار الدولي الذي بدأت بوادره في الظهور سنة 1987 مباشرة بعد صدور التقرير(1) الذي أنجزته اللجنة العالمية حول البيئة والتنمية وتكرس بعد مؤتمر ريو سنة 1992 حيث أوصى المنتظم الدولي بتبني ما اصطلح عليه بالتنمية المستدامة التي تقضي بإعادة النظر في أساليب التنمية اللامحدودة التي يعتمد عليها الاقتصاد المعاصر والتي تنهك البيئة وتؤثر سلباً على مصادر الحياة فيها.

وحينما نتحدث عن التنمية المستدامة، فالأمر يتعلق بالتعامل مع البيئة من زاوية تضمن في آن واحد حاجات الأجيال الحاضرة والأجيال القادمة من خلال المحافظة على مصادر الحياة والموارد الطبيعية.
وبعبارة أخرى، إن التنمية المستديمة تسعى إلى ضمان جودة الحياة بصفة عامة للأفراد والجماعات من خلال التنمية الاقتصادية، ولكن دون إلحاق أضرار بالبيئة الطبيعية والمشيدة.

انطلاقاً من هذه الاعتبارات، فإن التنمية المستدامة تستدعي إعادة النظر ليس فقط في مفهوم التنمية ولكن كذلك في مفهوم البيئة التي يجب أن تعتبر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ككل غير قابل للتجزيء تترتب عنه تغييرات في نوعية العلاقات التي يقيمها الإنسان مع البيئة ومع مواردها.
إن هذه التغييرات تعتبر تحدياً في حد ذاتها لأنها قبل أن تكون تغييرات على مستوى الممارسات والتصرفات، فهي أولاً وقبل كل شيء تغييرات على مستوى الفكر والمواقف والقيم.

إن العالم الإسلامي مطالب بأن يرفع هذا التحدي لأن الأمر يتعلق بإعادة النظر في نظام القيم الذي بنت عليه العديد من المجتمعات نمط تنميتها وإنتاجها واستهلاكها وعيشها. وبعبارة أخرى إن الأمر يتعلق بإصلاح النظام الاجتماعي والثقافي بأكمله، حيث أن هذا الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بادر الإنسان المسلم بإعادة النظر في العلاقات التي يقيمها مع البيئة.
إن مفهوم التنمية المستدامة يحمل في طياته فلسفة هدفها الأساس هو ملء الهوة التي ما فتئت تتسع بين الإنسان والبيئة، الشيء الذي يقود هذا الإنسان إلى التعايش مع هذه البيئة قلباً وقالباً.

إن هذه الثورة الفكرية والأخلاقية والسلوكية ليست عزيزة على دول العالم الإسلامي مادامت هذه البلدان لها من المؤهلات والمبادئ ما يجعلها قادرة على القيام بهذه المهمة.
بالفعل، إن الدين الإسلامي أعطى للبيئة ولمواردها ولاستعمال هذه الموارد واستغلالها وللتوازنات البيئية وللتنوع البيولوجي، إلخ، أهمية كبيرة وخصوصاً من خلال العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن جل المفاهيم البيئية المعاصرة الكبرى تم التطرق لها بكيفية أو بأخرى من خلال الآيات القرآنية، نذكر منها على سبيل المثال:
ـ مفهوم شمولية البيئة
ـ مفهوم التوازن
ـ مفهوم محدودية الموارد
ـ مفهوم تنوع الحياة
ـ مفهوم الغائية
ـ مفهوم حماية البيئة
التعاليم الإسلاميـة والقضايـا البيئية المعاصرة

1. مفهوم شمولية البيئة :

لقد ظهر هذا المفهوم إلى الوجود في الستينات متزامناً مع ظهور مفهوم البيئة نفسه. ويعد مفهوم الشمولية إفرازاً للأزمة البيئية التي يعاني منها العالم المعاصر الذي اعتبرت فيه البيئة ولا تزال مجموعة من المكونات القابلة للاستغلال إرضاء لرغبات الإنسان المحضة.
حينما نتحدث عن الشمولية، فالأمر يتعلق بتصور يجعل من البيئة وحدة متكاملة أو كلاً تكون مكوناته مرتبطة فيما بينها ارتباطاً وثيقاً حسب نظام من العلاقات المتبادلة يكون فيها بقاء كل كائن حياً كان أم غير حي، مرتبطاً بباقي المكونات الأخرى. وبعبارة أخرى، فإن الشمولية تعني أن الكل يستمد بقاءه من الجزء وهذا الأخير يستمد بقاءه من الكل.
لقد أصبح اليوم مفهوم الشمولية من الناحية النظرية مفهوماً متداولاً في الأوساط العلمية والبيئية. وللتذكير، فإن الاقتراحات التي تقدم بها المفكرون والفلاسفة لصياغة نظرة جديدة للبيئة مبنية كلها على مفهوم الشمولية.
وإذا كان هذا الأخير يعد جديداً بالنسبة للإنسان، فإن هذه الجدة تنطبق على الإنسان فقط.
إن القرآن الكريم أشار إلى هذا المفهوم من خلال آيات كثيرة تتحدث عن وحدة الكون. فحينما يتحدث الحق سبحانه وتعالى عن هذا الكون، فإن ذلك يتم من خلال الإشارة إلى المكونات الكبرى، أي الأرض والسماء والماء التي تعتبر حسب علم البيئة الحديث نظماً بيئية ضخمة يتألف منها ما يسمى بالمحيط الحيوي. وفضلاً عن ذلك، فإن العديد من الآيات القرآنية تربط دائما الأرض بالسماء بينما أخرى تشير إلى ما بينهما. فإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن مفهوم الشمولية وارد في القرآن الكريم وهو الشيء الذي توصل إليه العلم في السنين الأخيرة حينما اعتبر الكوكب الأرضي وما يحيط به من أجواء بمثابة نظام بيئي متكامل غير قابل للتجزيء. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن بعض العلماء ذهبوا إلى حد تشبيه الكرة الأرضية مع محيطها الجوي بكائن حي لإبراز أهمية الترابط و التفاعل القائمين بين مكونات البيئة.
إن الآيات القرآنية التي تشير بكيفية أو بأخرى لمفهوم شمولية البيئة كثيرة، منها على سبيل المثال تلك التي يتم فيها الربط بين الأرض والسماء، وأحياناً بين هذين العنصرين والماء.
يقول الحق سبحانه وتعالى :
{ الذي جعل لكم الأرضَ فِراشاً والسماءَ بناءًً وأنزل من السماء ماءًً فأخرج به من الثمراتِ رزقاًً لكم } (سورة البقرة : الآية 22).
{ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهُنَّ سبعَ سمواتٍ وهو بكل شيء عليم } (سورة البقرة : الآية 29).
{ بَديع السماواتِ والأرضِ وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } (سورة البقرة : الآية 117).
{ إن في خلق السمواتِ والأرضِ واختلافِ الليلِ والنهارِ والفلكِ التي تجري في البحر بما ينفعُ الناسَ وما أنزل الله من السماء من ماءٍٍ فأحْيا به الأرضَ بعد موتِها وبثَّ فيها من كل دابةٍٍ وتصريفِ الرياحِ والسحابِ المسخَّر بين السماءِ والأرضِ لآيات لقومٍٍ يعقِلون } (سورة البقرة: الآية 164).
{ وَسِعَ كُرسِيُهُ السمواتِ والأرضَ ولا يؤُدُه حِفْظُهما وهو العلِيُّ العظيم } (سورة البقرة : الآية 255).
{ وللـه مُلْـكُ السمـاواتِ والأرضِ والله على كل شيء قدير } (سورة آل عمران : الآية 189)
{ ولله مُلك السماواتِ والأرضِ وما بينهما يخلُقُ ما يشاء والله على كل شيء قدير } (سورة المائدة : الآية 17).
{ الله الذي خَلَقَ السمواتِ والأرضَ وأنزل من السماءِ ماءًً فأخرجَ به من الثمرات رزقاً لكم } (سورة إبراهيم : الآية 32).
{ تُسبِِِِِِِِّحُ له السمواتُ السَّبعُ والأرضُ ومن فيهنَّ وإن من شيء إلا يسبح بحَمدِه ولكن لا تَفْقَهونَ تَسبيحَهم إنه كان حَليماً غفوراً } (سورة الإسراء : الآية 44).
{ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ وما بينهما وما تحت الثرى } (سورة طه : الآية 6).
{ وما خلقنا السماءَ والأرضَ وما بينهما لاعبِِِين } (سورة الأنبياء : الآية 16).
{ ألمْ تَرَ أن الله يُسبِّحُ له من في السمواتِ والأرضِ والطيرُ صافاتٍٍ كلٌّ قد عَلِمَ صلاتَه وتسبيحَه والله علِيمٌٌ بما يفعَلون } (سورة النور : الآية 41).
{ ألم تروا أن الله سخَّرَ لكم ما في السمواتِ وما في الأرضِ وأسْبَغَ عليكم نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنة } (سورة لقمان : الآية 20).
{عالم الغيب لايَعْزُبُ عنه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السمواتِ ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا في كتاب مبين} (سورة سبإ : الآية 3).
إن مفهوم شمولية البيئة لا يمكن أن يدرك إلا إذا شكلت هذه البيئة وحدة أو كلاً متكاملاً. وهذه الوحدة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا ساد بين مختلف مكوناتها ترابط وتناسق. هذا هو ما يشير إليه القرآن الكريم من خلال الآيات التي تظهر السماء والأرض والماء كعناصر مترابطة فيما بينها.
ويكفي أن نتمعن في بعض الآيات سالفة الذكر لندرك أن مفهوم الشمولية وارد في القرآن الكريم حينما يقول الحق سبحانه وتعالى في الآية 117 من سورة البقرة :
{ بديع السموات والأرض }، أي خالق السموات والأرض غير أن هذا الخلق ليس عشوائياً بل يتم حسب نظام معين.
ونفس الشيء يمكن إدراكه من خلال الآية 44 من سورة الإسراء حين يقول الله سبحانه وتعالى :
{ تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن }. والمقصود بالتسبيح هنا هو السجود والخضوع والانحناء أمام الخالق، الشيء الذي يمكن تفسيره من الناحية البيئية بنظام الترابط الذي يجمع بين جميع الكائنات من أجل استمرار الحياة التي هي من خلق الله.
ونـفس الـشيء يمـكن إدراكـه كـذلك مـن خـلال الآيـة 16 مـن سورة الأنبياء حيـن يقـول سبحانه وتعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين }. والمقصود في هذه الآية هو أن الخلق له غايات معينة وهو الشيء الذي تشير إليه الآية 27 من سـورة ص حيـن قـال الحـق سبـحانه وتـعالى : { و ما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } أو حين يقول في الآية 5 من سورة الزمر { خلق السموات والأرض بالحق }. ومن الآيات التي تشير إلى شمولية البيئة الآية التي يقول فيها سبحانه عز وجل :
{ والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولائك لهم اللَّعنة ولهم سوءُ الدار } (سورة الرعد : الآية 25).
إن هذه الآية تنطبق على الفكر البيئي المعاصر الذي جزأ البيئة، وبالتالي، قطع الأوصال التي تربط بين مكوناتها، الشيء الذي أدى إلى ظهور اختلالات في نظام الترابط الذي يشكل أساساً لاستمرار وبقاء الحياة. وخير مثال يمكن سوقه في هذا الصدد يتعلق بالاختلالات التي يحدثها التلوث في الأوساط الطبيعية. إن التلوث إذا تجاوز حداً معيناً، يكسر التوازن القائم بين مكونات هذه الأوساط ويؤدي على طول المدى إلى موت هذه الأوساط وانقراض الحياة منها. وهذا هو ما يحدث في الأنهار والبحار التي تلقى فيها النفايات المنزلية والصناعية وكذلك في المساحات الخضراء المعرضة للأمطار الحمضية.
ألم يقل سبحانه وتعالى :
{ ظَهَرَ الفسادُ في البرِّ والبحرِ بما كَسَبَتْ أيدي الناسِ ليُذيقَهم بعض الذي عمِلوا لعلهم يرجعون } (سورة الروم : الآية 41).
وكيفما كان الحال، إن مفهوم شمولية البيئة الذي جاء به المفكرون في مقترحاتهم لتغيير نظرة الإنسان المعاصر للبيئة ليس في الحقيقة مفهوماً جديداً. كل ما يمكن قوله هو أن الإنسان يسعى من جديد للعودة إلى الصواب الذي نص عليه القرآن الكريم منذ عدة قرون والذي يقتضي أن تنطلق كل تصرفات البشر من مفهوم شمولية البيئة حفاظاً على وحدة هذه الأخيرة وبقاء الحياة فيها.

2. مفهوم التوازن :

إن مفهوم التوازن يشكل واحدة من الركائز التي بني عليها علم البيئة الحديث. والتوازن لا يجب أن يدرك كوضع سكوني قار ومستقر يسود داخل النظم البيئية. فحينما يتم الحديث عن التوازن البيئي، فالأمر يتعلق بوضع حركي مستمر ناتج عن ما يقوم من علاقات وتفاعلات بين مكونات النظام البيئي. فلا سبيل إذن للحديث عن النظام البيئي بدون توازن. فالنظام البيئي المتوازن هو ذلك الجزء من البيئة الذي تسود بين مكوناته علاقات متبادلة متناسقة ومتكافئة تتجدد باستمرار وتؤدي في نهاية المطاف إلى استمرار الحياة وبقائها. وهكذا، فحينما يكون النظام البيئي متوازناً، فهذا يعني أن لديه قدرة ذاتية على التنظيم تكون ناتجة عن الحركة الذاتية التي تشترك فيها كل مكوناته من تربة وهواء وماء وحيوانات ونباتات بمختلف أشكالها وأنواعها. وبعبارة أخرى، فإن كل كائن حياً كان أم غير حي يقوم بعمل لصالحه ولكنه في نفس الوقت يكون عنصراً أو حلقة في سلسلة الأعمال التي تقوم بها الكائنات الأخرى.

فإذا كان بإمكاننا الحديث عن عدة أنواع من النظم البيئية البرية منها والبحرية والجوية والمائية والغابوية والقطبية والصحراوية والجبلية، الخ، فإن هذه النظم في الحقيقة ليست لها حدود، وبالتالي، فهي مرتبطة فيما بينها لتشكل نظاماً بيئياً واحداً يتشكل من الكرة الأرضية بأكملها بما يحيط بها من أجواء وما يو جد فيها وفوقها من ماء وما يبرز منها من قارات وما يترعرع فيها جواً وبراً وماء من حياة نباتاً كانت أم حيواناً بما في ذلك الإنسان.

ولهذا، فالتوازن البيئي الشامل هو الذي أدخل عليه الإنسان، من جراء فصل نفسه عن البيئة وطموحه للسيطرة عليها، تغييرات كبرى أدت إلى ظهور مشكلات بيئية واسعة النطاق طالت تأثيراتها جميع المحيطات والقارات وأسافل وأعالي الأجواء. إن الإنسان من جراء نظرته الأنانية للبيئة أساء لخاصيات التوازن والتناسق والتناغم التي أسس عليها الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون. بالفعل، لقد أشار الحق سبحانه وتعالى للتوازن في العديد من آيات القرآن الكريم نذكر منها على سبيل المثال :
{ كُلُـوا واشـرَبوا مـن رزق اللـه و لا تَعْثَوا في الأرض مُفسِدين } (سورة البقرة : الآية 60).
{ ويَسْعَون في الأرضِ فساداً والله لا يحب المفسدين } (سورة المائدة : الآية 64).
{ ولا تُفْسِدوا في الأرضِ بعد إصْلاحِها وادْعوهُ خَوفا وطَمَعاً إن رحمتَ الله قريبٌ من المحْسنِين } (سورة الأعراف : الآية 56).
{ قد جاءتْكُم بَيِّنَةٌ من رَبِّكُم فأوفوا الكَيْلَ والميزانَ ولا تَبْخَسوا الناسَ أشْيَاءَهم ولا تُفسِدوا في الأرضِ بعد إصْلاحها ذلكم خيرٌ لكم إِن كنتم مِؤمنين } (سورة الأعراف : الآية 85).
{ ويا قومِ أوْفوا المِيكال والميزانَ بالقِسط ولا تَبْخَسوا الناسَ أشياءَهم ولاتَعْثَوا في الأرض مُفْسِدين } ( سورة هود : الآية 85).
{ الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار } (سورة الرعد : الآية Cool.
{ والأرضَ مدَدْنَاها وأَلْقَيْنَا فيها َرَواسِي وأنْبَتْنَا فيها من كلِّ شيءٍ موزونٍ } (سورة الحجر : الآية 19).
{ الذي له ملك السمواتِ والأرضِ ولم َيتَّخِذْ وَلَدا ولم يَكُنْ له شَريك في الملك وخَلَقَ كل شيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْديراً } (سورة الفرقان : الآية 2).
{ الشمسُ والقمرُ بحُسْبان والنجمُ والشجرُ يَسْجُدان والسَّمَاَء رَفَعَها وَوضَعَ الميزَانَ ألاَّ تَطـْغَوْا فـي الميـزانِ وأقيمـوا الوَزْنَ بالقِسْطِ ولا تُخْسِروا الميزانَ } (سورة الرحمن : الآيات 8-5).
{ سَبِّح اسم رَبِّكَ الأعْلى الذي خَلَقَ فَسَوَّى والذي قدَّرَ فَهَدَى } (سورة الأعلى : الآيات 3-1).
إن الآيات سالفة الذكر تشير كلها بطريقة أو بأخرى إلى مفهوم التوازن الذي كما أسلفنا تأسس عليه علم البيئة الحديث. وهكذا تمت الإشارة لهذا التوازن في القرآن الكريم عن طريق مفاهيم :
ـ الفساد
ـ الإصلاح
ـ الميزان
ـ المقدار
ـ التقدير
ـ الحسبان
ـ التسوية
إن الله لا يحب الفساد في كل شيء. والفساد بمعناه البيئي، أي الاضطراب والاختلال والتخريب وعدم التناسق، يمكن أن يكون ناتجاً عن التلوث والاستغلال المفرط وغير العقلاني للموارد واقتحام وغزو الأوساط الطبيعية. وبعبارة أخرى، إن الفساد ينتج عن التغييرات التي يدخلها الإنسان بدون حسبان على نظام الترابط الذي يضمن الحياة داخل المحيط البيئي. أما الإصلاح، فيمكن ربطه بمفهوم التنظيم الذاتي الذي يضمن استمرار التوازن داخل النظم البيئية. وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى وفر للبيئة كل الظروف التي تمكنها من إصلاح نفسها كلما أدخلت عليها تغييرات ولكن في حدود معينة. ولهذا، فإن الله يوصي عباده بأن لا يفسدوا في الأرض خصوصاً وأن بث الفساد أسهل بكثير من القيام بالإصلاح.
أما مفاهيم الميزان والمقدار والتقدير والحسبان والتسوية فإنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى نظم الأمور ونسقها عند خلق هذا الكون. وعندما يتعلق الأمر بالتنظيم والتنسيق والترتيب. فهذا معناه أن كل شيء يحسب له حسابه. وبعبارة أخرى، فإن الأشياء لا يمكن أن تكون منظمة ومتناسقة إلا إذا قامت بينها عـلاقات مـتوازنة تكون ضامناً للنظام والتناسق. فحينما يقول الحق سبحانه وتعالى : { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } (سورة الحجر : الآية 19)، فهذا يعني أن الله وفر في الأرض الظروف الملائمة لنمو العديد من أنواع النباتات المختلفة.
ومن المعروف حالياً في علم البيئة النباتي أن النباتات لا يمكن أن تتعايش في الوسط الواحد إلا إذا قام من جهة توازن فيما بينها، ومن جهة أخرى بينها وبين الظروف المادية للوسط الذي تنبت فيه. فعندما يختل هذا التوازن، فقد يطغى نوع من هذه النباتات على الأنواع الأخرى، الشيء الذي يؤدي إلى تقليص عدد هذه الأخيرة وأحياناً إلى اختفائها. وهذا هو ما يحدث عندما يتدخل الإنسان في الأوساط الطبيعية ويستغل مواردها بكيفية غير عقلانية. والنتيجة هي اختلال التوازنات الذي يؤدي إلى طغيان مكونات بيئية وتراجع واندثار مكونات أخرى.
وخير مثال يمكن سياقه في هذا الصدد هو استعمال مختلف المبيدات الكيميائية من أجل تحسين الإنتاجية الزراعية. ولا سبيل هنا لذكر الأضرار التي ألحقتها هذه المبيدات بالتوازنات الطبيعية. ولا سبيل للذكر أنه بذلت محاولات ولا تزال تبذل من أجل تجاوز هذا الوضع الذي يشكل تهديداً للتوازنات البيئية. من بين هذه المحاولات، اللجوء إلى ما يسمى بالمكافحة البيولوجية التي تستعمل فيها وسائل طبيعية لخلق توازن بين ما يسمى بالنباتات والحشرات المضرة وبين النباتات المزروعة. وجدير بالذكر أن اللجوء إلى المكافحة البيولوجية هو محاولة من الإنسان للرجوع إلى الفطرة، أي الوضع الطبيعي الذي وجدت فيه الأرض عندما خـلقها اللـه سـبحانه وتعالى. وهذه هي الفطرة التي أشار إليها عز وجل حينما يقـول : { وخلق كل شيء فقدره تقديـراً } (سورة الفرقان : الآية 2) أو { الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى } (سورة الأعلى : الآيتان 3-2).

وفي هذا الصد، لابد من الإشارة إلى أن العديد من التيارات الفكرية والحركات البيئية وبالخصوص في الدول المصنعة حيث الإنسان ألحق أضراراً كبيرة بالطبيعة، تنادي بالرجوع إلى الطبيعة الذي معناه الرجوع إلى الفطرة. وقد عبر الناس عن هذا الرجوع بطرق عديدة منها الزهد في الاستهلاك، وبالخصوص بممارسة ما يسمى بالزراعة البيولوجية التي تعتمد على التربة والشمس والماء والعمل اليدوي.

إن مفهوم التوازن الذي أقره علم البيئة الحديث سواء على مستوى النظم البيئية الصغيرة أو على المستوى البيئي الشمولي واحد من المفاهيم البيئية التي وردت في القرآن الكريم منذ عدة قرون. إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون موزوناً ومتوازناً وهو الذي يقول :
{ أَلَمْ تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ له مَنْ في السمواتِ ومَنْ في الأرضِ والشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدوابُ وكثيرٌٌٌ من الناس } (سورة الحج : الآية 18).
إن سجود الكائنات للحق سبحانه وتعالى إن دل على شيء إنما يدل على وحدة الكون التي يحفظ توازنها خالق مدبر واحد.
3.3. مفهوم محدودية الموارد :
منذ أن دخل العالم عصر الصناعة خلال القرن التاسع عشر الذي اقترن أوله باختراع الآلة البخارية وآخره باكتشاف الكهرباء والنفط ثم باختراع المحرك الانفجاري، بدأ في نفس الوقت التهافت على الموارد الطبيعية وخصوصاً في البلدان الغربية التي كانت تتنافس فيما بينها أولاً للرفع من مستوى إنتاجها واستهلاكها، وثانياً لغزو الأسواق الخارجية بمنتوجاتها الصناعية. وقد أدت هذه الاختراعات والاكتشافات إلى ازدهار العديد من الصناعات وعلى رأسها صناعة الحديد والصناعة الكيميائية. وقد أدت صناعة الحديد على الخصوص إلى اختراع العديد من وسائل النقل والآلات وخاصة تلك التي تستعمل في المجال الفلاحي وفي قطاع استخراج واستغلال المعادن. أما الصناعة الكيميائية فقد ساهمت هي الأخرى بقسط وافر في ازدهار الفلاحة بما وفرته لهذه الأخيرة من أسمدة ومبيدات مكنت المزارعين من الحصول على مردوديات عالية في الإنتاج.

وبصفة عامة، إن القرن التاسع عشر اقترن بظهور مجموعة من الأنشطة الاقتصادية الواسعة النطاق المبنية على استغلال ثروات الأرض ومصادر الطاقة وتحويل المواد الأولية إلى منتوجات مصنعة. ولا سبيل للذكر أن أهم الصناعات التي يرتكز عليها الاقتصاد العالمي اليوم نشأت في تلك الفترة نذكر من بينها على سبيل المثال :
ـ الصناعة الثقيلة التي تحول المواد الأولية المعدنية إلى فليزات تستعمل في عدة أنواع أخرى من الصناعات،
ـ الصناعة الخفيفة التي تحول ما أنتجته الصناعة الثقيلة إلى منتوجات مصنعة،
ـ الصناعة الغذائية التي تصنع وتهيئ الأغذية،
ـ الصناعة الميكانيكية التي تنتج الآلات والمعدات المستعملة في مجالات الصناعة والفلاحة والنقل، الخ.
وجدير بالذكر أن ازدهار الصناعة خلال القرن التاسع عشر في العالم الغربي كان مبنياً على تنافس شديد بين الدول التي كانت ولا تزال تسعى إلى احتلال المراتب الأولى على الصعيد العالمي، الشيء الذي أدى إلى استغلال مفرط للموارد الطبيعية ليس فقط في البلدان المصنعة ولكن كذلك في ما يسمى حالياً بالدول النامية.
بالفعل، إن ازدهار الصناعة وتطورها كانا في حاجة ماسة للموارد الأولية لضمان نشاطها بكيفية مستمرة. فلا غرابة إذن أن يقترن عصر الصناعة بإقبال بعض الدول الغربية على استعمار إفريقيا وجزء كبير من آسيا من أجل استغلال مواردها الطبيعية.
وكيفما كان الحال، فإن عصر الصناعة كان بداية لاستغلال مفرط وجنوني ومطلق العنان للموارد الطبيعية على الصعيد العالمي. وحتى البلدان التي لم يطلها الاستعمار الغربي، فإن مواردها تستغل بثمن بخس من طرف الدول المصنعة.
إن الموارد الطبيعية كانت تستغل وكأنها غير قابلة للنفاد إذ لا فرق بين ما هو متجدد طبيعياً وبين ما هو غير متجدد. لقد كان هاجس الدول المصنعة هو تحقيق مستوى عالمي من النمو ولو على حساب الطبيعة ومواردها.

ولحسن الحظ، فإن هذا الاستغلال المفرط الذي أدى إلى استنزاف الموارد الطبيعية، وبالتالي، إلى ظهور مشكلات بيئية أثار انتباه العديد من الأوساط في الدول المصنعة التي بادرت إلى عقد أول اجتماع استشاري دولي بمدينة بيرن بسويسرا سنة 1913 حول حماية الطبيعة شارك فيه 19 بلداً. ثم تلا هذا الاجتماع سنة 1923 أول مؤتمر عقد بباريس حول حماية الطبيعة وعوامل تخريب مواردها تلاه مؤتمر ثاني سنة 1932 تم تخصيصه لدراسة تأثير التكنولوجيات الملوثة على الطبيعة. وبعد ذلك، عقدت منظمة اليونسكو بفرنسا سنة 1948 اجتماعاً دولياً تمت فيه مناقشة تأثيرات الأنشطة البشرية على الطبيعة تلاه سنة 1968 مؤتمر نظمته نفس المنظمة بإفريقيا حول الاستعمال العقلاني للموارد الطبيعية حيث ركز المشاركون من جهة على هشاشة الأسس التي تضمن تجدد البعض من هذه الموارد، ومن جهة أخرى على محدودية كمية البعض الآخر. غير أن مفهوم محدودية الموارد لم يبرز إلى الوجود بصفة واضحة إلا بعد نشر تقرير نادي روما سنة 1970 الذي أثار انتباه المجتمع الدولي وخصوصاً في الدول المصنعة إلى ضرورة إدخال تغييرات مهمة على نمط نموها الاقتصادي، الشيء الذي أكدت عليه اللجنة العالمية للبيئة والتنمية بعد صدور تقريرها سنة 1987.

إن مفهوم محدودية الموارد الذي ظهر خلال السبعينات وتأكدت صحته خلال الثمانينات هو الذي أدى إلى ظهور مفهوم التنمية المستدامة التي تقتضي أن يتعامل الإنسان مع البيئة ومع مواردها بكيفية تضمن حاجاته الآنية وحاجات الأجيال المقبلة في نفس الوقت.
وإذا استطاع الإنسان، بفضل ما أتاه الله من علم، أن يقف على هذه الحقيقة، فإن القرآن الكريم أشار غيرما مرة لمفهوم محدودية الموارد من خلال الآيات التالية :
{ وعِنْدَهُ مَفَاِتُح الغَيْبِ لا يعلمُها إلا هو ويعلمُ ما في البَرِّ والبحرِ وما تَسْقُطُ من وَرَقَةٍ إلا يَعْلَمُهَا ولا حَبَّةٍ في ظلمات الأرضِِ َولارطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ } (سورة الأنعام : الآية 59).
{ الله يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كلُّ أنْثى وما تَغِيضُ الأرحامُ وما تَزْدَادُ وكلُّ شيءٍ عنده بمقدار } (سورة الرعد : الآية Cool.
{ وإن مـن شـيءٍ إلا عنـدنا خـزائنه وما ننِزله إلا بقدر معلوم } (سورة الحجر : الآية 21).
{ وأنْزَلْنَا من السماءِ ماءً بِقَدَرٍ فأسكناه في الأرض وإنا على ذهابِ به لقادِرون } (سورة المؤمنون : الآية 18).
{ الذي لهُ مُلك السمواتِ والأرضِ ولم يَتَّخِذْ وَلَداً ولم يَكُنْ له شريك في الملك وخَلَقَ كلَّ شيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } (سورة الفرقان : الآية 2).
{ وكلَّ شيءٍ أَحْصَيْناهُ في إمامٍ مبينٍ } (سورة يس : الآية 12).
{ وجعل فيها رواسِيَ مِن فَوْقِها وبَاَرك فيها وقَدَّرَ فيها أَقْوَاتَها في أربعةِ أَيَّامٍ سواءً للسائِلين } (سورة فصلت : الآية 10).
{ ولو بَسَطَ الله الرِّزِْقَ لِعباده لَبَغَوْا في الأرضِ ولكن يُنَزِّل بِقَدَرٍ ما يشاء إنه بِعباده خبيرٌ بصيرٌ } (سورة الشورى : الآية 27).
{ إِنَّا كلَّ شيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر } (سورة القمر : الآية 49).
{ وأَحْصَى كلَّ شَيءٍ عدَدا } (سورة الجن : الآية 28).
{ قدْ جعل الله لكلِّ شيءٍ قَدراً } (سورة الطلاق : الآية 3).
{ وكلَّ شيءٍ أحْصَيْناه كِتابا } (سورة النبإ : الآية 29).

من خلال الآيات السالفة الذكر، يشير سبحانه وتعالى إلى مفهوم محدودية الموارد من خلال مفهومـي المقدار والقدر. يقـول الحق سبحانه وتعالـى : { إنا كل شيء خلقنـاه بقـدر } (سورة القمر : الآية 49) أي أن كل كائن حي أم غير حي يخضع لقانون أو لقوانين معينة من حيث الكم. والفرق الذي وضعه الإنسان بين الموارد الطبيعية المتجددة والموارد الطبيعية غير المتجددة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم محدودية الموارد الذي يشير إليه القرآن الكريم.

فبالنسبة للموارد الطبيعية غير المتجددة، لقد أثبت العلم الحديث أنها فعلاً محدودة الكمية كما هو الشأن بالنسبة للمواد الطاقية الأحفورية (فحم، نفط، غاز طبيعي) والانشطارية (أورانيوم، طوريوم، الخ) والمعادن الفلزية كالحديد والنحاس والمعادن غير الفليزية كالفوسفاط والبوتاس الخ. أما بالنسبة للموارد الطبيعية المتجددة، فهي الأخرى توجد في البيئة حسب كميات محدودة لكنها تتميز عن الموارد غير المتجددة، بكونها تتجدد بكيفية طبيعية حسب دورات معينة كما هو الشأن بالنسبة للماء والنباتات والحيوانات البرية والموارد البيولوجية المائية والطاقة. والتجديد لا يعني أن هناك زيادة في الكميات إلى ما لا نهاية. بل التجديد يقصد به أن البيئة تتوفر على كميات محددة من العناصر والمواد الكيميائية التي من جراء تعاقب الحياة والموت تدخل في دورات معينة لتنتج من جديد الحياة وعناصر ومواد كيميائية. وهذا ما يحدث مثلاً بالنسبة للغازات التي يتكون منها الجو كالأكسجين والآزوت وثاني أكسيد الكاربون، الخ.

يقول الحق سبحانه وتعالى :
{ َوأَنْزَلْنَا من السماءِ ماءً بِقَدر فأسْكناه في الأرضِ وإِنَّا على ذهابِ به لقادِرون } (سورة المؤمنون : الآية 18).
لقد أصبح اليوم معروفا أن كمية الماء التي يتكون منها المحيط البيئي محدودة حيث تقدر بـ 1.350 مليون كيلومتر مكعب موزعة كالتالي :
الماء السائل
ـ المحيطات
ـ المياه الجوفية
ـ بحيرات الماء العذب
ـ بحيرات مالحة وبحار داخلية
ـ ماء التربة ( الرطوبة)
ـ مجاري المياه
الماء الصلب
ـ الجليديات القطبية
ـ جليديات المناطق المعتدلة والاستوائية
الماء الغازي
ـ بخار الماء الجوي
ـ ماء المحيط الحيوي
ـ ماء الكائنات الحية
وإذا كانت الموارد الطبيعية محدودة الكميات، فهذا يعني أن كمية العناصر الكيميائية التي تتكون منها هذه الموارد هي الأخرى محدودة.
بالفعل، إن أي مورد كيفما كان نوعه يتألف من جزيئات تتكون هي الأخرى من ذرات. فالماء مثلاً يتكون من جزيئتين من الهيدروجين وجزئية واحدة من الأكسجين. فعندما يتم الحديث عن محدودية كمية الماء على مستوى البيئة بأكملها، فهذا يعني أن هذه الكمية تتكون هي الأخرى من عدد محدود من ذرات الهيدروجين والأكسجين. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :
{ وقال الذين كفروا لا تَأْتينا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالمِ الغيبِ لا يَعْزُبُ عنه مِثقال ذَرَّةٍ في السمواتِ ولا في الأرضِ ولا أَصْغَر من ذلك ولا أَكْبَر إلاَّ في كتابٍ مبينٍ } (سورة سبإ : الآية 3).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن علماء الكيمياء عندما يتعاملون مع المادة، يعرفون أن كمية هذه المادة لا تزيد ولا تنقص رغم التحولات التي تمر منها. وهذا هو ما توصل إليه عالم الكيمياء الفرنسي لافوازيي (Lavoisier) في القرن الثامن عشر حين قال : >لا شيء يضيع ولاشيء يضاف، الكل يتحول< ليتخذ أشكالاً مختلفة. وهذا هو ما يجري داخل المحيط البيئي حيث المادة في تحولات مستمرة لتتخذ أشكالاً تتكون منها الحياة وأخرى يتألف منها الماء والهواء والتربة. وقد أشار الحق سبحانه وتعالى إلى هذه التحولات بقوله :
{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأرضِِ وما يَخْرُجُ منها ومَا يَنْزِلُ من السماءِ وما يَعْرُجُ فيها وهو الرحيم الغفور } (سورة سبإ : الآية 2).
إن العلم الحديث أثبت بالفعل أن المادة تتحول باستمرار على مستوى المحيط البيئي بأكمله من خلال ما يسمى بالدورات البيوجيوكيميائية، أي الدورات التي تجدد مكونات البيئة الحية وغير الحية. من بين هذه الدورات، نذكر على سبيل المثال :
ـ دورة الماء
ـ دورة الأكسيجين
ـ دورة الكاربون
ـ دورة اللآزوت
ـ دورة الفوسفور، الخ.
وكما جاء في الآية سالفة الذكر، فإن الدورات تتخذ الأرض والجو نطاقاً لتتحقق. فالماء مثلاً ينزل من الجو إلى الأرض لتستفيد منه الكائنات الحية ثم تحت تأثير عامل الحرارة يتبخر ويصعد إلى الجو ليعود مرة أخرى إلى الأرض. وهكذا، فرغم تعدد الأشكال التي تتخذها المادة من خلال ما هو حي وما هو غير حي، فإن الأجزاء التي تتألف منها المادة محدودة الكمية كما جاء في كتاب الله عز وجل :
{ وأَحْصَى كل شيءٍ عدداً } (سورة الجن : الآية 28).

3. مفهوم تنوع الحياة :

إن مفهوم تنوع الحياة أو ما يسمى حالياً بالتنوع البيولوجي مفهوم حديث حيث ظهر إلى الوجود خلال الثمانينات وتم تكريسه في النصف الأول من التسعينات من خلال اتفاقية دولية انبثقت عن مؤتمر ريو سنة 1992.
والمقصود بالتنوع البيولوجي هو الخاصية التي تتميز بها الحياة لتظهر في الطبيعة حسب أنواع وأشكال عديدة ومختلفة. وجدير بالذكر أن هذا التنوع يظهر على جميع مستويات التدرج البيولوجي بدأ من الخلايا والأعضاء ومرورا بالأجسام إلى الأنواع والجماعات.
إن التنوع البيولوجي ضروري لاستمرار الحياة إذ بواسطته تستطيع الكائنات الحية أن تواجه التغييرات التي تحدث في الأوساط التي تعيش فيها بصفة خاصة وفي البيئة بصفة عامة.
وهكذا، فكلما كانت النظم البيئية غنية بأنواع وأشكال الحياة، كلما كانت لها القدرة والوسائل للتصدي لهذه التغييرات. وهنا لابد من الإشارة إلى أن التنوع البيولوجي واحد من العوامل الأساس التي تساهم في التنظيم الذاتي للنظم البيئية لتضمن توازنها واستمرار الحياة بها.
ولعل أكثر الكائنات تنوعاً الحشرات متبوعة بالنباتات ثم الكائنات اللافقرية والمجهرية ثم الأسماك ثم الثدييات والزواحف والضفدعيات وأخيراً الطيور. وقد تم تقدير كمية هذه الكائنات على صعيد المحيط البيئي بما مجموعه 33.500.000 نوع لم يتمكن الإنسان إلى حد الآن إلا من معرفة 1.390.000 نوعاً، أي ما يعادل 4%.
إن هذا التنوع الهائل في أشكال وأنواع الحياة أشار إليه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز من خلال العديد من الآيات نذكر منها على سبيل المثال ما يلي :
{ ولله ملكُ السمواتِ والأرضِ وما بينهما يَخْلُقُ ما يشاءُ والله على كلِّ شيءٍ قديرٌ } (سورة المائدة : الآية 17).
{ وهو الذي أَنْزَل من السماءِ ماءً فأخْرَجْنا به نباتَ كلِّ شيءٍ فأخْرَجِْنا منه خَضِرا نُخْرجُ منه حبًّا متراكِباً وِمنَ النَّخْلِ من طَلْعِهَا قِنْوانٌ دانية وجناتٍ من أعنابٍ والزيتونَ والرُّمانَ مُشْتَبِهاً وغير متشابِهِ انْظُرُوا إلى ثَمَره إذا أثْمَرَ ويَنْعِهِ إِنَّ في ذلكم لآياتٍ لقوم يؤمنون } (سورة الأنعام : الآية 99).
{ وهو الذي مَدَّ الأرضَ وجعل فيها رواسِيَ وأنهارا ومن كلِّ الثَّمراتِ جعل فيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } (سورة الرعد : الآية 3).
{ هو الذي أنْزَلَ من السماءِ ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لكم به الزَّرْعَ والزيتونَ والنخيلَ والأعنابَ ومن كل الثَّمَرَاتِ إن في ذلك لآيةً لقومٍ يَتَفَكَّرُونَ } (سورة النحل : الآيتان 11-10).
{ الذي جعل لكم الأرض مَهْداً وسَلَكَ لكم فيها سُبُلاً وأَنْزَل من السماءِ ماءً فَأَخْرَجْنَا به أَزْوَاجاً من نباتٍ شَتَّى } (سورة طه : الآية 53).
{ وترى الأرضَ هامدةً فإذا أَنْزَلْنَا عليها الماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ وأنْبَتَتْ من كلِّ زَوْج بَهيج } (سورة الحج : الآية 5).
{ والله خَلَقَ كلَّ دابَّةٍ من ماءٍ فمنهم من يمشي على بَطْنِهِ ومنهم من يمشي على ِرجْلين ومنهم من يمشي على أَرْبَع يَخْلُقُ الله ما يشاءُ إِنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير } ( سورة النور : الآية 45).
{ أوَ لَمْ يَرَوا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كلِّ زوج كريم } ( سورة الشعراء : الآية 7).
{ سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون } (سورة يس : الآية 36).
{ والأرضَ مَدَدْناها وأَلْقَيْنا فيها رواسِيَ وأنْبَتْنَا فيها من كلِّ زوج بهيج } (سورة ق : الآية 7).
إن القرآن الكريم يعطي أهمية كبيرة لتنوع الحياة حيث يشير إلى اختلاف النباتات والحيوانات. ولو أن أكثر الآيات سالفة الذكر خصصت للتنوع النباتي، فهناك الآية 45 من سورة النور التي تشير إلى التنوع الحيواني. وإن اقتصرت هذه الآية على ذكر البعض من الحيوانات، فإن الله سبحانـه وتعالـى ينهـي هذه الآية بقولـه : { يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير } وهذا معناه أن عدم الإشارة إلى جميع أنواع الحيوانات والنباتات في القرآن الكريم يجب أن لا يفسر باقتصار التنوع البيولوجي على ما جاءت به الآيات الكريمة.
إن الله سبحانه وتعالى يقول : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } (سورة إبراهيم : الآية 34). كما يقول سبحانه وتعالى كذلك : { والخيل والبغال والحمير لتركبـوها وزينة ويخلـق مالا تعلمـون } (سورة النحل : الآية Cool. فإن دلت هذه الآيات على شيء، إنما تدل على أن الله نوع الخلق لكن الإنسان لم يستطع أن يتعرف عليه كله. وهذا هو ما أثبته العلم اليوم حيث أن عدد أنواع الحشرات مثلاً يقدر ب 30000000 نوع بينما لا يعرف العلماء إلى حد الآن إلا 750.000 نوع. أما الكائنات اللافقرية والمجهرية فيقدر عددها بـ 3.000000 بينمـا تم إلى حـد الآن التعرف علـى 276.500 نـوع. يقـول سبحـانه وتعالــى : { سبحان الذي خلـق الأزواج كلهـا مما تنبت الأرض ومن أنفسهم وممـا لا يعلمـون } (سورة يس : الآية 36).
إن مفهوم تنوع الحياة أصبح اليوم يحتل الصدارة في الأوساط التي تهتم بشؤون البيئة. ولا سبيل للقول إن هذا الاهتمام أتى بعد أن أدرك الإنسان الدور الحاسم الذي يلعبه التنوع في استمرار دورة الحياة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن مفهوم تنوع الحياة لا يمكن فصله عن مفهومي شمولية البيئة والتوازن. إن التنوع البيولوجي واحد من العوامل الأساس الشمولية التي تساهم في استمرار توازن المحيط البيئي الذي يتكون من الجو ومن سطح القارات ومن ماء المحيطات والبحار إضافة إلى ضوء الشمس والمحيط الذي يتألف من جميع الكائنات الحية. يقول سبحانه وتعالى :
{ إِنَّ في خَلْقِ السمواتِ والأرضِ واختلاِف الليلِ والنهارِ والفلكِ التي تجري في البحر بما يَنْفَعُ الناسَ وما أَنْزَلَ الله من السماءِ من ماءٍ فأَحْيا به الأرضَ بعد مَوْتِها وبَثَّ فيها من كل دابَّةٍ وتَصْرِيِفِ الرِّياح والسحابِ المُسَخَّرِ بين السماءِ والأرضِ لآيات لقوم يعقلون } (سورة البقرة : الآية 164).
إن هذه الآية الكريمة تؤكد شمولية البيئة التي سبق الحديث عنها. لقد أشار الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية إلى العناصر المادية التي تتكون منها هذه البيئة من جو (سماء) وأرض (سطـح الأرض) ومـاء وكائنـات حية. وحينما يقـول سبحانــه وتعالــى : { لآيـات لقوم يعقلـون }، فإنه يدعـو عباده للتأمـل والتمعن في مكـونات هذا الكـون وفي العلاقـات القائمـة بينـها. وحينمـا يقـول سبحـانه وتعالـى فـي نفس الآيـة :
{ وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة }. فهذه إشارة للتنوع البيولوجي الذي على الإنسان أن يتأمل فيه كواحد من عناصر وحدة الكون وشموليته.

4. مفهوم الغائية :

من أهم المفاهيم التي وردت في المقترحات التي تقدم بها المفكرون لتغيير نظرة الإنسان للبيئة، مفهوم الغائية الذي ينص على أن كل كائن حياً كان أم غير حي هو في الحقيقة مركز غائية، أي بمعنى أن هذا الكائن ينزع إلى تحقيق غاية معينة. في هذه الحالة، فإذا اعتبرت الكائنات مراكز غائية، فهذا يعني أنها تتحول من مجرد كائنات مجهولة تتكون منها البيئة إلى كائنات ذات قيمة ذاتية وجودها له مبرر يتمثل في كونها وسائل تتحقق من خلالها غايات معينة.
وإذا وضعنا مفهوم الغائية في إطار بيئي، فقد يصعب على المرء أن يتصور أن كل كائن من ضمن الكائنات التي تتكون منها البيئة والتي تعد بالملايير (عدد البشر وحدهم أكثر من خمسة ملايير) وجد من أجل أن تتحقق من خلاله غاية معينة. فلا سبيل للاستغراب لأن كل كائنات البيئة كيفما كان نوعها تعد وسائل وقنوات تتحقق من خلالها الكثير من الغايات المختلفة. فإذا اعتبرنا مثلاً بعض الأنواع من الحشرات ومن ضمنها الفراشات والنحل، فسنجد أنها عندما تكون منهمكة في الحصول على قوتها بتنقلها بين الأزهار، فإنها في نفس الوقت تلقح هذه الأزهار بواسطة اللقاح الذي تحمله مختلف أجزاء أجسامها. وهكذا، فإن هذه الكائنات بدون أن تشعر تمكن العديد من النباتات من التكاثر، وبالتالي، من استمرار الحياة. وما يقال عن الحشرات والطيور، يقال كذلك عن بعض الثدييات التي يكسو جسمها وبر أو صوف. فعندما تكون هذه الحيوانات بصدد البحث عن قوتها، فإن بعض الأنواع من البذور وخصوصاً منها الشائكة تلتصق بريشها أو بوبرها أو بصوفها، الشيء الذي يساعد على نقل هذه البذور من مكان لآخر، وبالتالي، تمكينها من الإنبات في وسط بعيد عن الوسط الأم. فكما هو الشأن بالنسبة للحشرات، فإن هذه الحيوانات تساعد هي الأخرى على نقل الحياة من مكان إلى آخر وعلى استمرارها.
وما يقال عن الثدييات، يمكن أن يقال عن بعض الأنواع من الديدان ومنها على الخصوص دودة الأرض التي تعيش داخل التربة التي تتوفر فيها نسبة معينة من الرطوبة. لكي تتغذى هذه الدودة، فإنها تبلع حبات دقيقة من التربة لتأخذ منها بعد عملية الهضم ما هي في حاجة إليه من الغذاء ثم تعيد الباقي إلى التربة. وهكذا، فإن هذه الدودة بعملها هذا أولاً تحرك التربة، وبالتالي، تسهل نفوذ الهواء إليها، وثانياً تغنيها بأملاح معدنية بعد خضوع هذه التربة لعملية الهضم داخل جسمها. وجدير بالذكر أن هذا العمل له نتيجة تتمثل في ازدياد خصوبة التربة وتحسين تهويتها، الشيء الذي يسهل إنبات البذور التي تسقط على التربة أو توضع فيها. إن دودة الأرض كما هو الشأن بالنسبة للحيوانات سابقة الذكر، تساهم في استمرار الحياة.
وما يقال عن الحيوانات، يمكن أن يقال عن النباتات. فبالنسبة مثلاً للنباتات الخضراء، من المعروف أنها تلتقط ضوء الشمس وتأخذ ثاني أكسيد الكربون من الهواء لتصنع المادة العضوية التي بدونها لاوجود للحياة. ومن المعروف أن الحيوانات ليست لها القدرة لصنع المادة العضوية بنفس الطريقة التي تسلكها النباتات الخضراء، وبالتالي، فإن هذه الحيوانات تحصل على المادة العضوية إما بأكل النباتات الخضراء مباشرة وإما بأكل الحيوانات التي تتغذى على النباتات الخضراء. وهكذا، فإن النباتات الخضراء تشكل أساساً لاستمرار الحياة الحيوانية بجميع أشكالها وأنواعها.
غير أن هذا لا يعني أن استمرار الحياة النباتية غير مضمون. بالعكس، إن النباتات الخضراء المزهرة لها عدة وسائل لضمان استمرار حياتها. من بين هذه الوسائل، تجدر الإشارة إلى أن العديد من النباتات لها زهور ذات ألوان زاهية تجذب الحشرات إليها لتتغذى على رحيقها أو على لقاحها الذي يلتصق بأجسامها كما سبق الذكر، وبالتالي، ينقل من نبات لآخر، الشيء الذي يؤدي إلى عملية اللقاح التي تؤدي بدورها فيما بعد إلى ظهور ثمار ثم بذور التي هي الوسيلة التي تستمر بواسطتها الحياة النباتية.
وكيفما كان الحال، فإن الكائنات الحية نباتية كانت أم حيوانية هي عبارة عن أماكن تتحقق من خلالها غايات معينة. وإذا كانت أول غاية يسعى إلى تحقيقها الكائن الحي هي ضمان حياته، فإنه عندما يكون منهمكاً في هذا العمل، يؤدي في نفس الوقت خدمة تكون غايتها هي استمرار الحياة بصفة عامة. وإن اختلفت الوسائل والطرق المؤدية إلى هذه الخدمة، فالغاية واحدة تتمثل في استمرار الحياة.
وما يقال بصفة عامة عن الكائنات الحية، يمكن أن يقال عن الكائنات غير الحية أي الجامدة. إن الأمثلة في هذا الباب كثيرة ومتعددة. فإذا تحدثنا مثلاً عن الماء، فسنجد أنه يشكل ليس فقط غذاء بالنسبة لجميع الكائنات الحية ولكن كذلك وسطاً للحياة وعنصراً لتركيب الأجسام ووسيلة نقل داخل هذه الأجسام وعاملاً لتنظيم درجة الحرارة بها، الخ. وما يقال عن الماء، يقال كذلك عن الهواء الذي تشكل غازاته من أكسجين وهيدروجين وأزوت وثاني أكسيد الكربون، إلخ، غذاء للحيوانات والنباتات. غير أن هذه الغازات تدخل كذلك في تركيب المادتين العضوية والمعدنية اللتين هما أساس الحياة. وفضلاً عن هذا، فإن الهواء يحمل الطيور وتعيش به العديد من الكائنات الحية الدقيقة كما يشكل عاملاً أساساً في استقرار الضغط الذي يمارس على الحيوانات والنباتات التي تحيا فوق سطح الأرض.
وهكذا، فإذا كان الماء والهواء كائنين غير حيين، فإن الغايات التي تتحقق من خلالهما تؤدي إلى تحقيق غاية واحدة ألا وهي استمرار الحياة. وبصفة عامة، فإن الغايات التي تتحقق من خلال الكائنات الحية و غير الحية متعددة، ومتنوعة، ومتداخلة ومرتبطة بعضها ببعض. لكنها رغم تعددها وتنوعها وتداخلها وترابطها تسعى في آخر المطاف إلى غاية نهائية واحدة ألا وهي وحدة الكون وتوازنه واستمرار الحياة به لأداء رسالة العبودية الخالصة لله.
وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم من خلال العديد من الآيات نذكر منها على سبيل المثال :
{ تُسَبِّحُ له السمواتُ السَّبْعُ والأرضُ ومن فِيهِنَّ وإن من شيءٍ إلا يُسَبِّّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لا تفْقَهون تَسْبِيحَهُم إنه كان حليما غَفُورا } (سورة الإسراء : الآية 44).
{ وله مَنْ في السمواتِ والأرضِ ومن عنده لا يَسْتَكْبِرُون عن عِبَادتِه ولا يَسْتَحْسِرُون يُسَبِّحُون الليلَ والنهارَ لا يَفْتَرُون } (سورة الأنبياء : الآيتان 20-19).
{ ألمْ تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ له مَنْ في السمواتِ وَمنْ في الأرضِ والشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدَّوابُ وكثيرٌ من الناس } (سورة الحج : الآية 18).
{ ألمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبِّحُ له مَنْ في السمواتِ والأرضِ والطيرُ صافاتٍ كُلّ قد عَلِمَ صلاته وَتَسْبِيحَهُ والله عليمٌ بما يفعلون } (سورة النور : الآية 41).
{ يُولِجُ الليل في النهار ويُولِجُ النهارَ في الليلِ وسَخَّرَ الشمسَ والقمرَ كلّ يَجْري لأجلٍ مُسَمَّى } (سورة فاطر : الآية 13).
{ والشمسُ تَجْري لِمُسْتَقَرٍّ لها ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم } (سورة يس : الآية 38).
{ وما خَلَقْنَا السماءَ والأرضَ وما بينهما باطِلا } (سورة ص : الآية 27).
{ والنجمُ والشجرُ يَسْجُدانِ } (سورة الرحمن : الآية 6).
فما هي علاقة هذه الآيات الكريمة بمفهوم الغائية؟ إن هذه العلاقة تشير إليها الآيات التي تتحدث عن التسبيح والسجود. والتسبيح والسجود معناهما هنا طاعة خالق هذا الكون وخضوع كائناته له من خلال ما أنيط بها من مهمات. وقد سبق وأن أشرنا إلى الكائنات الحية عندما تكون منهمكة في البحث والحصول على قوتها، فإنها في نفس الوقت تقوم بمهام تساهم بواسطتها في استمرار الحياة. كما أشرنا كذلك إلى أن هذه المهام رغم تعددها وتنوعها، فإنها تؤدي في نهاية المطاف إلى استمرار وحدة الكون وتوازنه. يقول سبحانه وتعالى :
{ تُسَبِّحُ له السمواتُ السَّبْعُ والأرضُ ومن فيهِن وإنْ من شيء إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لا تفْقَهون تَسْبيحَهُم إنه كان حليما غَفورا } (سورة الإسراء : الآية 44).
فعندما يقول سبحانه وتعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده }، فهذا معناه أن أي كائن حياً كان أم جماداً قد أناط الله به مهمة
Admin
Admin
Admin

عدد المساهمات : 322
تاريخ التسجيل : 18/10/2011
العمر : 50
الموقع : www.facebook.com/dimatanmia.dt

https://dimatanmia.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى